لمحة عن تاريخ سورية
سكن الأنسان سورية منذ اقدم العصور وترك شواهد وأثار مادية كثيرة تدل على نشاطه ووجوده فالهياكل العظمية البشرية التي اكتشفت حتى الان ترحع الى حوالي 100 ألف سنة، في حين أن بعض البقايا الأثرية المكتشفة تعود الى ما قبل 150 ألف سنة ويمكن اعتبار سورية المنطقة التي تم فيها تدجين القمح واختراع الخزف واكتشاف المعادن وهي من أهم منجزات انسان ما قبل التاريخ . لهذا يصف المؤرخون سورية بأنها ، خلاصة لتاريخ العالم.
فعلى شاطئها اخترعت أول أبجدية في العالم (أبجدية أوغاريت) قرب اللاذقية التي أصبحت أما للأبجديات المعروفة كافة ، وكان لها ابلغ الأثر في نشر العلم والثقافة بين بني البشر ، ولهذا فأنها تعتبر من أعظم المكتسبات للانسان، فيها دمشق أقدام مدينة ما تزال موجودة على الأرض .
سورية عبر العصور
أنت في سورية. أنت اذا حيث للتاريخ صوت ، وللتراب أريج الحضارات. سهولها ليست كالسهول، ولا جبالها ، ولا بواديها: اقلب أي حجر فيها، أي ذرة من تراب تجد ألف تاريخ يتكلم. وأنت تكاد لا تذكر أي مكان على أرضها حتى تتوهج أمام عينيك قصص المجد وتتزاحم عندك ذكريات الدأب الانساني المبدع كله منذ كان الانسان : ماري، ايبلا، حبوبة، أوغاريت، قادش، عمريت، آفاميا، دورا أوروبوس، تدمر، بصرى، شهبا، الرصافة….. أسمعت يتل الحريري؟ حفروا فيه بضعة أمتار فوجدوا مملكة باهرة الحضارة ، مملكة (ماري).
وهل سمعت بتل مرديخ؟ بضعة أمتار أخرى ووجدوا مملكة (ايبل) الحاضرة المزهرة التي خلبت عقول الباحثين والمكتشفين ولا تزال، وتل رأس الشمرة؟ هناك اكتشفوا(أوغاريت) الحاضرة التي كانت ينبوع ثقافة وتثقيف للبشرية كلها .
وتل حلف؟ وتل أحمر؟ وتل الخويرة ؟ وتل الرماد؟ وتل سوكاس؟ وتل حبوبة الكبيرة؟ ..تلال…تلال…خبأت في رحمها ممالك وقصور ومدائن كما تخبئ الصدفات اللؤلؤ والمرجان.
ألم أقل لك ان سهول سورية ليست كالسهول ؟ وان تلالها ليست كالتلال ؟ فغلى الأرض السورية ولدت أروع الحضارات، وتفاعلت أعظم المدينات، وأبدع الانسان المنجزات التي لا تزال ترفع البشرية في نعمائها حتى اليوم: هذه الفترة البعيدة من حياة الانسانية لازالت بقاياها متناثرة في أكثر من مكان في سورية
. حضارة المعدن نشأت في (تل حلف) على ضفاف الخابور ، ومن قبل ذلك كان ابتكار شي الصلصال وجعله خزفا وزخارف . وتتابعت الابداعات والانجازات منذ الألف الثالثة قبل الميلاد : في مملكة(ماري) على الفرات كانت قصور ورسوم وكان ازدهارتجاري وثقافي مشهود. مملكة (أوغاريت) على الساحل السوري قدمت للانسانية. ابتكارها المعجز:الأبجدية الأولى في العالم ، أما مملكة (أيبلا) فقد اكتشفت في قصرها الملكي أروع وأضخم مكتبة وثائقية تنظم أمور التجارة والدبلوماسية والصناعية وعلاقات الحرب والسلم مع الممالك الأخرى، اذا أن سلطان (ايبلا) ونفوذها امتدا من جبال الأناضول شمالا حتى سيناء جنوبا ومملكة (أكاد) شرقا، وكانت ذات شهرة عريضة بصناعتين هامتين: المنسوجات الحريرية الموشاة بخيوط الذهب، والخشب المحفور والمطعم بالعاج والصدف
… ولا تزال سورية حتى اليوم وبعد أكثر من ثلاثة آلاف عام تشتهر بهاتين الصناعتين فالبروكار السوري الحريري ذو الخيوط الذهبية فريد من نوعه في العالم، والموزاييك السوري الخسبي المطعم بالصدف والعاج أجمل الهدايا التي يتبادلها الناس في كل مكان. ولكن سورية اليوم لا ترى نفسها مجرد متحف كبير متنوع تتراكم فيها آثار الحضارات البشرية واحدة فوق أخرى. فسورية تفخر، لا شك بهذا التراث العريق الحافل الذي تضمه أرضها ، ولكنها لا تريد أن يتحجر التفاتها الى الماضي، بل تريد كل يوم أن يكون هذا الماضي المجيد حافزا يدفعها الى ان تتطلع الى أمام، وتستشرف المستقبل فتسابق الزمان وتحتل مكانها اللائق تحت الشمس
. فشعبها العربي الذي عركته التجارب على مر العصور يعرف ان على كاهله مسؤوليات جساما تتطلب ألاتكون انجازاته اليوم وتطلعاته المستقبلية بأقل من انجازات أجداده المتناثرة في كل من أرضه العريقة. شعب سورية العربي يعرف أن عشرات من أهم معارك التاريخ جرت على هذه الأرض، ولكنه يعرف أيضا أنه مثلما هو مطالب بخوض معركة الدفاع عن ترابه وتخومه وثغوره فانه مطالب بأن يخوض معركة هائلة التحديات ألا وهي معركة البناء والتنمية والتطوير
. فاذا ما لمحت أبراج المعامل تطاول أعمدة التاريخ ، والسدود تتناثر على امتداد الأراضي السورية جنبا الى جنب مع العصور والأوابد وىلآثار القديمة ، والمدارس والمنشآت الثقافية ترتفع أبنيتها في ظلال قلاع الماضي وأقواس مجده فاعلم أن المستقبل على هذه الأراض انما يستمد زخمه وقوته من ذلك الماضي الباهر. حين تبين أن مياه بحيرة الأسد ستغمر، لدى تشكلها بعد انشاء سد الفرات العظيم، مئذنتين (مسكنة) و (المريبط) الأثريتين تقرر انقاذهما وتم نقلهما حجرا حجرا الى مكان مرتفع لاتطاله المياه انقاذ هذه الأوابد كان رمزا الى أن الشعب العربي السوري حريص على المستقبل حرصه على الماضي وأنه يريدهما أن يتعايشا معا. على أرضه مجدين يعانق أحدهما الآخر.
لهذا حين تأتي الى هذه الأرض الطيبة ستجد أنك في رحاب التاريخ وفي رحاب المستقبل ، وأنك تشهد في اللحظة ذاتها: الأمس، واليوم، والغد جميعا.
التاريخ العام من خلال المكتشفات الأثرية
سورية قبل التاريخ خلال العصور الحجرية:يبدأ العصر الحجري القديم الباليوليت في سورية منذ مليون عام وينتهي عام 12 ألف ق.م.
أما العصر الحجري الوسيط فيمتد من عام 12 ألف ق.م إلى عام 8 آلاف ق.م. ويبدأ العصر الحجري الحديث قبل الفخار منذ ذلك التاريخ وحتى الألف السادس ق.م ويمتد عصر الفخار حتى الألف الرابع ق.م.
يقع أقدم موقع للعصر الحجري القديم نراه في سرير نهر الكبير الشمالي وهو يعود إلى مليون عام، ثم نرى في حوض العاصي آثار هذا العصر ولكنها تعود إلى نصف مليون عام. وفي غربي اللطامنة (1) شمالي حماه عثر على موقع لهذا العصر يعتبر من أهم المواقع ومن أندرها في العالم، عثر في سرير النهر على آثار معسكر بشري محفوظ ضمن طبقة من الرمل والطمي مؤلفة من أدوات حجرية فؤوس، سواطير ومكاشط وتبين أن الإنسان كان يستفيد من النار.
وثمة مغائر في يبرود (2) كشفت عن آثار الإنسان القديم الذي عرف بالترحال، فلقد تعاقب على هذه المغائر مجموعات بشرية خلال خمسين ألف عام انتشرت في أنحاء سورية، وقد استعمل الإنسان وسائط حجرية جديدة وجدت في الكوم البادية حيث الينابيع. ثم ظهر إنسان النياندر تال الذي أصبح أكثر حضارة، فهو نحات ماهر استفاد من العظام في صناعة بعض الأدوات، كما استفاد من قدح النار ومن ألوان التراب لتزيين أدواته وأجسامه، ومارس دفن الموتى في طقوس محددة.(3)
وفي أواخر هذا العصر عاش الإنسان العاقل 40ألف ق.م وهو السلف المباشر للإنسان الحالي.