كيف ظهر النحو العربي إلى الوجود ؟ و ما هو العامل المحدد لبزوغه ؟ و من هو النحوي الأول المسؤول عن نشأته ؟ ... يبدو أن إعادة طرح مثل هذه الإشكالات قد يجرنا إلى تكرار إجابات تم الحسم فيها قديما و حديث . حيث ظهر النحو لمعالجة ظاهرة لغوية بدأت تزحف على السلوك اللساني العربي هي ظاهرة اللحن ، و تم التوافق بين الرواة أن أول من تصدى لهذه المسألة هو أبو الأسود الدؤلي ، فكان بذلك شارع باب النحو و مبدع مسائله. لكن القضية لا تتم مقاربتها بهذه البساطة ، لأن الحديث عن هذا الصنف المعرفي ليس حديثا عن علم لساني يعالج لغة ما فحسب ، بل هو حديث عن علم مؤسس لنظام معرفي كامل ، و اللبنة الأولى في قيام العلوم الإسلامية ." فلم ينشأ النحو العربي في سياق التطور العام للغة العربية و الأدب العربي ، كما هو الشأن بالنسبة للغات الأخرى ، حيث غالبا ما يأتي تقنين اللغة في آخر المطاف . تقنين اللغة العربية قد شكل البداية بالنسبة لنشأة الثقافة العربية العالمة . و معنى هذا أن النحو العربي كان بمثابة المنطلق المؤسس للفكر العربي ككل "1. و لهذا كان النحو المقدمة الضرورية لكل علم تراثي ، حيث عدت قراءته التقطيعية للنصوص الدينية مصدرا أساسيا عند الفقهاء و المحدثين و المتكلمين ، و اعتبرت معالجته لكلام العرب مرجع الأدباء و البلاغيين و النقاد لأنه " المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام و رجحانه حتى يعرض عليه ، و المقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه ، لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه ، و إلا من غالط في الحقائق نفسه "2. من ثمة غدا الحديث عن أولية النحو حديثا عن تأسيس العلم الإسلامي .